اللون و الحصاد
عربة التسوق فارغة!
مواصفات المنتج
- المؤلف: بهاء جميل
- الناشر: مدارك
- تاريخ النشر: 2011
- الصفحات: 213
وصف المنتج
"ونزلت زخات المطر على رأسه وهو يخرج إلى الحوش فأفاق من ذهوله وانطلق راكضاً لا يلوي على شيء، وقد سيطرت عليه فكرة واحدة، فكرة ملكت عليه كيانه، وجعلته يستهين بكل شيء آخر سواها، تلك الفكرة كان أن يأتي بادريس وبالطبيب، معاً، فلقد أدرك من نظرات انتبه أنها لن تغادر فراشها سالمة إلا إذا أتى بهما وفي أسرع وقت، لقد غيره منظر ابنته الحبيبة المليئة باللوم والعتاب والتساؤل، أنسته كرامته، ونسبه، وشرفه وخلع ثوب تكبره وعنجهيته، وتجبره، وركض يصارع المطر المنهمر...
لقد سيطر عليه الخوف حتى جعله يفكر في الوصول إلى الإثنين في نفس الوقت... ووصل إلى هناك فوجد المكان خالياً فوقف ينادي بأعلى صوته ويصيح: إدريس... إدريس... يا إدريس، ولكن لم يكن هناك من مجيب، فانطلق راكضاً بإتجاه منزل الطبيب يصارع الأوحال والحفر والبرق والرعد...
نسي الصادق في تلك اللحظات نسي عنجهيته وسخريته وما عاد يذكر إلا ابنته الطريحة في فراشها يحيط بها خطر الموت من كل جانب لذا كان على إستعداد لأن يفعل أي شيء حتى يتجنبها ذلك الخطر... نعم سيذهب إلى سليمان وسيطلب منه أن يسرع لإنقاذها وسيتوسل إليه إن دعا الداعي... كان المطر قد أصبح يهطل بغزارة شديدة، وكان هو يجاهد في إخراج رحيله من الوحل وهو يشق طريقه نحو بيت الطبيب لينفر ساقيه من جديد، كانت الطرقات خالية، ولمع البرق فجأة، فشاهد شبح إمرأة مسرعة تدلف إلى الشارع المقابل، وهي تحمل في يدها شيئاً يشبه الفأس الذي يستخدم في قطع الأخشاب.
إستطاع أن يرى بوضوح بقعاً من الدم الأحمر على الفأس وعلى اليدين التين تحملانه... وإزداد خوفاً على خوف، وزاد من سرعته حتى وصل إلى باب الطبيب... فوجد الباب موارباً فطرقه في سرعة وقوة وهو يصرخ: يا دكتور... ألحقنا يا دكتور، أدركنا يا دكتور ولكنه لم يسمع سوى صدى صوته، وصوت هزيم الرعد والمطر المتساقط، واستبد به القلق... فاقتحم البيت ودخل إليه، وعلى أرض الصالة الأمامية رأى منظراً عجباً كان الطبيب ملقى على أرض الصالة، وكانت عيناه تطرفان، وكانت الرماد تسيل من رأسه ومن جرحين في بطنه وصدره وتحيط به من كل جانب بركة صغيرة...
فأصابت الصادق حالة من الهستريا فارتمى على الطبيب وهو يصرخ: أرجوك أيها الطبيب؟ أتوسل إليك، هيا أسرع لتنقذ ابنتي من الموت؟ ونهض بعد ذلك وأمسك بيد الطبيب وجره محاولاً إنهاضه وهو يقول: أرجوك لا تترك ابنتي تموت؟ وفتح الطبيب عينه وهمس في ذهن: انقذني... أنقذني. وصاح الصادق: لا لا لا وقت لإنقاذك، سأحملك حتى تدرك ابنتي قبل أن تموت وتنقذها، وبعد ذلك سأقوم بإنقاذك سآخذك إلى المركز أن أنقذت ابنتي، وسأعطيك ما تريد، وسأعتذر لك عن كل ما قلته بحقك وسأعتذر لوالدك، فقد لا تموت الآن... لا تموت الآن أيها الكلب. لا تموت أيها الــ... ليس من حقك أن تموت عندما يأتي إليك أمثالي ليأمورك بتنفيذ ما يريدون...
هيا انهض وإلا... ثم تغيرت نبرة صوته مرة أخرى وهو يقول في إنكسار: أرجوك... أتوسل إليك، ثم سقط من فوق جثته يحتضنها وهو يبكي قبل أن ينهض ويخرج من بيت الطبيب بعد أن أيقن أن لا فائدة ترجى منه بعد موته... واتجه راكضاً نحو بيته مصارعاً المطر المنهمر... واقترب من البيت فرأى جمعاً غفيراً وصوت البكاء والعويل ينبعثان من داخل الدار، فأدرك أن الفاجعة قد وقعت، وأن المصيبة قد حلت فسقط من طوله أمام الحاضرين.
لعل أروع ما في هذه الرواية عنوانها الذي يعبر عن هواجس الكاتب وعن معنىً أراد إيصاله للقارئ، ويمكن فهمه من خلال القول كما تزرع تحصد، وبمعنىً آخر.. إذا كان اللون هو تجسيد للنفس وأهوائها... فالحصاد هو نتيجة لتلك الأهواء خيرة كانت أم شريرة، وهكذا يحصد الصادق كما سليمان الطبيب ما زرعاه في قرية سودانية كانت آمنة وادعة... اعترتها الشرور بفعل هاتين الشخصيتين ولكن... هكذا هي الحياة حضور وغياب... فرح وحزن... خطيئة وتوية... هكذا هي الحياة فصل ينتهي فتموت الأرض، وتجف الجداول والحقول، وفصل يأتي فتكسو الخضرة كل مكان، وتنبت الورود والزهور، وتمتلئ الضروع... وتتورد خدود الحسان...